في مشهد سياسي يتسم بالاحتقان وتآكل الثقة بين الشارع والنخب الحاكمة، أعاد زعيم التيار الوطني الشيعي، السيد مقتدى الصدر، طرح شروطه العلنية لإنهاء مقاطعته للعملية الانتخابية، معلناً أن "البديل الحقيقي للمقاطعة هو الإصلاح الشامل وتغيير الوجوه الحاكمة (شلع قلع)".
هذا الموقف، الذي نقله صالح محمد العراقي، المعروف بـ"وزير القائد"، يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول إمكانية عودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي، أو استمرار العزوف كخيار إستراتيجي يربك خارطة الانتخابات المرتقبة في تشرين الثاني المقبل.
ويرى مراقبون أن رسالة الصدر أمس الأول الأحد لم تكن تكراراً لمواقف سابقة فقط، بل تضمنت شروطاً واضحة تمس جوهر السلطة، لكنها رغم ذلك من الصعب تحقيقها في ظل تركيبة النظام القائم منذ عام 2003، وسط مطالبات بعودته لإحداث توازن سياسي مفقود منذ انسحابه.
صوت المعارضة الغائب
وفي تعليق لافت على تأثير غياب التيار الصدري عن البرلمان، يقول النائب المستقل هيثم الفهد، إن "غياب نواب التيار أدى إلى فقدان صوت المعارضة، ما ترتب عليه تفرد بالسلطة وقوة داعمة كبيرة للحكومة تحت قبة البرلمان، الأمر الذي تسبب بتغييب شبه كامل للدور الرقابي".
ويعتبر الفهد، أن "وجود التيار الصدري كان يمثل ثقلاً سياسياً ضرورياً داخل البرلمان، سواء في الحكم أو المعارضة، وعودة التيار ستعيد التوازن السياسي، بإيجاد جبهة معارضة حقيقية داخل المؤسسة التشريعية".
دعوات للمشاركة
وبناءً على ذلك "غالباً ما يدعو زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، التيار الصدري إلى العودة للمشهد السياسي وتوسيع المشاركة في الانتخابات"، وفق عضو الائتلاف عمران الكركوشي، مؤكداً أن "الانتخابات هي الأداة الوحيدة للتغيير في العراق، وهي حق للجمهور وواجب في الوقت نفسه".
ورداً على مطلب الصدر بتغيير الزعامات السياسية، يرى الكركوشي أن "الزعامات الحالية هي نتاج خيارات الجماهير، وليست قرارات فردية يمكن فرضها من قبل أي جهة".
الصدر يعيد ترتيب أوراقه
وفي تحليل سياسي عن رسالة الصدر الأخيرة، يوضح المحلل السياسي مجاشع التميمي أن "موقف الصدر يعد ورقة ضغط استراتيجية وليس انسحاباً سلبياً، حيث إن شروط الصدر تضع القوى السياسية في مأزق؛ فهي تفضح فشلها في الاستجابة لمطالب المرجعية والشارع".
ويضيف التميمي، أن "التيار الصدري يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة أثبتت حضورها في الشارع والانتخابات، وفي حال تحقق إصلاح جذري وتغيير للوجوه المهيمنة، قد يمتلك العراق فرصة تاريخية لإعادة التوازن السياسي، أما في حال استمرار الانسداد، فستبقى الأزمة تراوح مكانها".
مطالب غير قابلة للتحقيق
لكن في المقابل، يعتبر المحلل السياسي صباح العكيلي أن "بعض شروط الصدر، لا سيما إزاحة الزعامات السياسية المتجذرة منذ عام 2003، أقرب للمستحيل"، لكنه يشير إلى "إمكانية التفاهم على مطالب أخرى مثل مكافحة الفساد والقضايا الخدمية".
ويحذر العكيلي من أن "مقاطعة الصدر قد تؤثر على نسب المشاركة، خاصة وأن حملة المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تتجاوز جمهور التيار، وتتحول إلى موقف شعبي أوسع، وهو ما يشكل تهديداً للعملية الانتخابية في ظل إصرار الكتل السياسية على إجرائها بموعدها".
وفي الموقف الأخير، خلص رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي، إلى أن "عودة الصدر إلى الانتخابات غير مرجحة عملياً نظراً لانتهاء فترة الترشح واقتراب موعد الاقتراع".
وختم الموسوي بأن "رسائل الصدر الأخيرة تهدف إلى توضيح أسباب المقاطعة وليس التلميح للعودة".
وكان الصدر، قد أعلن في آذار 2025، عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود "الفساد والفاسدين"، فيما بين أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة".
وقرر الصدر، في حزيران 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.
المصدر: شفق نيوز
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!