ابحث في الموقع

جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية

جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية
جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية
بقلم: القاضي أريج خليل

تُعدّ الانتخابات من أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية، إذ تُجسد إرادة الشعب في اختيار ممثليه بحرية ونزاهة. غير أن هذه الحرية تتعرض أحيانًا لانتهاكات من بعض الموظفين العموميين الذين يستغلون مناصبهم ونفوذهم الوظيفي للتأثير في مجريات العملية الانتخابية أو توجيه إرادة الناخبين، وتُعرف هذه الأفعال باسم جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية، وهي من الجرائم التي تمسّ نقاء الإرادة الشعبية ومبدأ المساواة بين المرشحين.

ومفهوم جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية يتمثل في قيام موظف عام أو مكلف بخدمة عامة باستخدام سلطته أو نفوذه أو موارد الدولة للتأثير في نتائج الانتخابات أو توجيه إرادة الناخبين لصالح مرشح معين أو حزب سياسي.

وتعد هذه الجريمة من الجرائم الانتخابية ذات الطابع الوظيفي، لأنها تُرتكب من قبل شخص يتمتع بصفة وظيفية تخوّله ممارسة سلطة أو تأثير على الغير، كما أنها من جرائم الفساد السياسي لأنها تستغل المال العام والنفوذ لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.

ويتمثل الركن المادي في سلوك إيجابي يقوم به الموظف مستغلاً نفوذه أو سلطته، ومن صور هذا السلوك استخدام ممتلكات أو موارد الدولة في الدعاية الانتخابية وتهديد المرؤوسين أو المراجعين أو إغراؤهم، أو إصدار قرارات إدارية لتحقيق أهداف انتخابية.

ويتوافر القصد الجنائي عندما يكون الموظف عالمًا بأنه يستغل نفوذه، وقاصدًا التأثير في سير العملية الانتخابية أو إرادة الناخبين، أي أن الجريمة لا تقوم على مجرد القيام بالفعل بل على القصد الجرمي المتمثل بنية التأثير والتوجيه.

ولا تُرتكب هذه الجريمة إلا من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة، لأن النفوذ المستغل يستمد من المنصب أو الوظيفة، وإن من أهم الآثار المترتبة على هذه الجريمة إضعاف الثقة بالعملية الانتخابية والإخلال بمبدأ الحياد الوظيفي والإضرار بسمعة العملية الانتخابية والنيل من نزاهتها.

الأساس القانوني لجريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية يقوم على مجموعة من النصوص القانونية والدستورية التي تهدف إلى حماية نزاهة الانتخابات وحياد الوظيفة العامة، ومنع أي تأثير غير مشروع على إرادة الناخبين، حيث نصت المادة (٥) من الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر..." وهذا يعني أن إرادة الشعب يجب أن تكون حرة وغير خاضعة لأي تأثير أو نفوذ وظيفي، ونصت المادة (٢٠) من الدستور "للمواطنين، رجالًا ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح." وهذا يعني منع أي تأثير على حرية المواطن في الانتخاب لأنه يُعد مساسًا بحق دستوري مهم، ونصت المادة ١٦ من الدستور "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيقه." أي أن جرائم استغلال النفوذ الوظيفي تخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.

أما الأساس القانوني في قانون الانتخابات العراقي رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ فقد نصت المادة ٢٦ / أولاً منه على: "تحدد أمانة بغداد والبلديات المختصة في الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم بالتنسيق مع المفوضية الأماكن التي يمنع فيها ممارسة الدعاية الانتخابية وإلصاق الإعلانات الانتخابية طوال المدة السابقة على اليوم المحدد للانتخابات، ويمنع نشر أي إعلان أو برنامج أو صور للمرشحين في مراكز الاقتراع"، فيكون نشر وإلصاق الدعايات الانتخابية في غير الأماكن المعينة من الجهات المختصة قانونًا من صور استغلال النفوذ، كما نصت المادة ٢٩ من القانون أعلاه "لا يجوز لموظفي دوائر الدولة والقطاع العام والسلطات المحلية استعمال نفوذهم الوظيفي أو موارد الدولة أو وسائلها أو أجهزتها لصالح أنفسهم أو أي مرشح بما في ذلك أجهزتها الأمنية والعسكرية بالدعاية الانتخابية أو التأثير على الناخبين"، ونصت المادة ٣١ منه "يمنع استخدام دوائر الدولة ودور العبادة بأية وسيلة كانت لأغراض الدعاية الانتخابية"، ونصت المادة ٣٣ منه: "يحظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام أو من الموازنة العامة الاتحادية المخصصة للوزارات أو الجهات غير المرتبطة بوزارة أو من أموال الوقف أو من أموال الدعم الخارجي"، حيث إن هذه المواد القانونية تُعد الركيزة الأساسية لتجريم استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية، لأنها تمنع أي موظف أو جهة حكومية من تسخير موارد الدولة لأغراض انتخابية.

فضلًا عن الأساس القانوني لهذه الجريمة في قانون العقوبات العراقي رقم (١١١) لسنة ١٩٦٩، فرغم أن هذا القانون لا يتحدث بشكل مباشر عن الحملات الانتخابية، إلا أنه يحتوي على نصوص عامة يمكن تطبيقها على هذا الفعل، منها المادة (٣٣١) التي تنص: "يعاقب بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته أو نفوذه لتحقيق غرض غير مشروع أو للإضرار بالآخرين."

والمادة ٣٤٠ نصت: "يعاقب بالسجن كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أضر عمدًا بمصلحة الدولة أو بأحد الأشخاص المتعاملين معها." حيث يُعد توجيه موارد الدولة لأغراض انتخابية إضرارًا بمصلحة الدولة ومبدأ الحياد.

ويمكن السيطرة على هذه الآثار من خلال تشديد الرقابة على نشاط الموظفين خلال فترة الحملات الانتخابية، وتفعيل دور هيئة النزاهة ومفوضية الانتخابات في تلقي الشكاوى والتحقيق فيها، وتوعية الموظفين بواجب الحياد الوظيفي وعدم استغلال مواقعهم وتطبيق العقوبات دون تمييز لضمان الردع العام والخاص، إن جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في الحملات الانتخابية تمثل انحرافًا خطيرًا عن السلوك الوظيفي السليم، واعتداءً على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين، وإن مكافحة هذه الجريمة تتطلب صرامة قانونية وتطبيقًا فعليًا للنصوص، لا مجرد وجودها في التشريعات، فبدون حياد الموظف العام، تفقد الانتخابات معناها الحقيقي كأداة للتعبير عن إرادة الشعب.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!