ابحث في الموقع

بلطي شطّ الكوفة.. سمكة رابحة في مياه خاسرة

بلطي شطّ الكوفة.. سمكة رابحة في مياه خاسرة
بلطي شطّ الكوفة.. سمكة رابحة في مياه خاسرة
بقلم: سيف الكرعاوي

يشهد “شط الكوفة” ضمن روافد الفرات في مدينة النجف، خلال الأشهر الأخيرة، زيادة بشكل ملحوظ في حضور أسماك البلطي، ومنها (النيلي) الى جانب (البلطي الأحمر)، هذا التحول يتقاطع مع انخفاض مناسيب المياه وركودها، ويطرح سؤالين بشأن هذا الموضوع، أولهما “هل البلطي غريب عن انهار العراق؟”، والثاني “هل يشكل انتشاره آثارا صحية وبيئية على الناس ونظامنا النهري؟”

تٌثبت المراجعة العلمية ان الظهور الأول لسمك البلطي النيلي في العراق، في منطقة “شط العرب” في محافظة البصرة عام (2013-2014) (1)، وعد في وقتها ثالث أنواع الشبوطيات الافريقية، المسجلة في العراق، وبعدها سجلت عمليات الرصد في وسط وجنوب العراق؛ الى جانب ذلك كانت مدينة المثنى تسجل بحسب الدراسات “وفرة” في البلطي الأزرق، وانه النوع الأكثر غزارة نسبياً في مصيد نهر الفرات (2)، كما سجلت المنطقة الواقعة بين (سدة الهندية وناحية الكفل) القريبة من الكوفة، عبر عينات جمعها باحثون في عام (2024)، اكدت ان هذا النوع ليس “عابراً” بل انها عملية “ترسخ النوع” في الفرات (3).

وربما السؤال لماذا ينجح البلطي ويحافظ على تكاثره حين تقل مناسيب المياه وتضعف جودة المياه؟، تعد هذه السمكة “صلبة بيئياً”، وتتحمل الحرارة المرتفعة التي يسجلها العراق، فضلا عن تقلبات الاوكسجين المٌذاب في الماء (حتى مستويات قريبة من 1–1.5 ملغم/لتر)؛ ويستطيع الاستمرار في النشاط عند تركيزات تتوقف عندها الأنواع الأخرى (4)؛ ومع استمرار ركود المياه وازدهار العوام الحيوية وتقلبات الاوكسجين ليلاً ونهاراً، يتباطأ في النمو، لكن ذلك لا يمنع من بقاءه، مما يعني منحه افضلية نسبية في بيئات الاجهاد الحراري وقلة جريان المياه (5).

الخطر الصحي ليس “في البلطي كنوع” بل في الوسط المائي؛ تُظهر قياسات حديثة لرواسب قاع شط الكوفة مستويات منخفضة إلى متوسطة من التلوّث مع تميّز النيكل بالارتفاع النسبي (6)؛ كما تُظهر دراسات عراقية تراكم الرصاص وغيره في عضلات البلطي والأسماك النهرية بمقادير متفاوتة بحسب الموقع والموسم، وفي حالات تبقى دون الحدود المسموح بها وأخرى تستدعي الحذر (7)؛ مما يعني كلما كبر حجم السمكة زاد “غالبًا العبء التراكمي”؛ في عينات بلطي من ضفاف الفرات في الكوفة (تشرين الثاني–كانون الأول 2024) سُجّلت عزلات بكتيرية معويّة ممرِضة، ما يعزّز أهمية التبريد السريع والطهي الجيّد بعد الصيد (8)؛ في الوقت الذي خلُصت دراسة سابقة على الأنواع الدخيلة في جنوب العراق إلى أن الأنواع الغازية، ومنها البلطي الأزرق والأحمر، تؤثّر سلبًا في وفرة وتنوّع وغِنى الأنواع الأصيلة وتُحدِث تحوّلات في بنية المجتمع السمكي (9)، الامر الذي يؤكده الصيادون عند نهر الفرات في الكوفة “غابت الأنواع الأخرى وحضر البلطي”.

البلطي ليس “سمكة خطرة” بذاتها، بل سمكة ناجية تتكاثر حين تسوء ظروف النهر (حرارة عالية، ركود في الجريان)؛ وجوده المتزايد في شط الكوفة يضيء على تغيّرات بيئية بنيوية؛ السلامة الصحية تتوقف على نظافة المصدر ونِظام الطهي أكثر من “اسم السمكة”، وعلى خفض التعرّض المزمن للملوِّثات عبر سياسات مياه ورقابة غذائية فعّالة.

———————————————————–

(1) Al-Faisal, A. J., & Mutlak, F. M. (2014). First record of the Nile tilapia Oreochromis niloticus (Linnaeus, 1758) from the Shatt Al-Arab River, Southern Iraq. Mesopotamian Journal of Marine Science, 29(1), 45–50.

 (2) Al-Helli, A. M. S., Resen, A. K., & Ali, A. H. (2019). Fish assemblage in the Euphrates River at Al-Samawa City, Southern Iraq (2016–2017). Basrah Journal of Agricultural Sciences, 32, 33–46.

(3) Al-Delfi, J. I., Mohammed, H. A., & Eesa, K. A. (2014). Spatial variation of fish species composition between Al-Hindiya Barrage and Al-Kifel City / Middle Euphrates, Iraq. Journal of Kufa for Agriculture Sciences, 6(4), 40–57. (PDF rehosted 2025).

(4) Tsadik, G. G., & Kutty, M. N. (1987). Influence of Ambient Oxygen on Feeding and Growth of the Tilapia Oreochromis niloticus. FAO ARAC/87/WP/10.

(5) FAO. (2001–2006). Dissolved oxygen—general tolerances of warm-water fishes (tilapia, carps ~1–2 mg/L). In: FAO Aquaculture manuals. (Online chapter: “Dissolved oxygen”).

(6) Jasim, A. K., et al. (2025). Characteristics of sediment pollution with trace heavy metals in the Kufa River, Iraq. EQA – International Journal of Environmental Quality, 50, 1–14.

(7) Al-Doghachi, M. W., et al. (2020). Heavy metals in tilapia muscles from the Tigris River vs. fishponds (Basrah). (Faculty of Basrah PDF; Pb most abundant in riverine samples).

(8) Kane, A. M. (2025). Investigation and Identification of the Most Bacterial Infection in the Invasive Nile Tilapia Fishes in Euphrates Riverbanks, Kufa–Al-Najaf, Iraq (Nov–Dec 2024 sampling). (Open-access PDF).

(9) Abdullah, A. H. J., Abdullah, S. A., & Yaseen, A. T. (2021). A Composition and Abundance of Alien Fish Species in Inland Waters, Southern Iraq. Iraqi Journal of Science, 62(6), 373–386. (Negative effects on native diversity).

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!