إعتادت المجتمعات والشعوب والتجمعات السكانية بمختلف أديانها ومكوناتها وطوائفها وطبقاتها على أن تتوسم بهوية معينة تتميز من خلالها وتغدو لها فيصل عقيدتها إذ تحمل رموزا يُتَخذُ منها وسيلة فرز تميزها عن المجتمعات الأخرى ويسهل من خلالها التعرف على الطبقة أو الطائفة أو الفرقة أو الجماعة وهكذا وقد ترتبط الرموز التي تحدد الهوية بجذور الموروث التاريخي .
من هنا يبرز اعتزاز المجتمعات بتلك الرموز اعتزازا بالغا بعيد المدى ، وهذا الاعتزاز يبرهن على الإصالة وشخصنة الفرد وإثبات الحضور بقوة متناهية على ساحة الواقع .
وبما أن الله سبحانه وتعالى من علينا بنعمة إتباعنا لأهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وشرفنا في حيازة هوية تشخيص محتواها الفخر والسمو . تلك الهوية التي تؤيد اقتداءنا بمنهجهم والإنتماء إلى العقيدة الصادقة الصحيحة بالسند ، ذلك الإنتماء الذي هو مدعاة للفخر والشرف ولعل أبرز وأوضح مصداق هو صيغة الصلاة على محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين . عند ذكره صلى الله عليه وآله .
بأن صيغة الصلاة الشمولية التي يبترها الآخرون وهي التي ميزتنا عن سوانا ، وإن تمسكنا واعتزازنا بهذه الصيغة يؤيد انتماءنا الحقيقي من ناحية واكتساب اليمن والبركة من ناحية أخرى مضافا إلى استجابتنا لوصية رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الوصية التي ما من كاتب أو قارئ قديما وحديثا موافقا كان أو مخالفا تحدث عن الصلاة إلا وأشار إليها بل شدد بتركيز على إتيانها إذ قال صلى الله عليه وآله ( لا تصلوا عليَّ الصلاة البتراء ) وقيل ما هي الصلاة البتراء يا رسول الله ؟. قال صلى الله عليه وآله : أن تصلوا علي وتسكتوا ـ راجع جميع الصحاح الترمذي ومسلم والنسائي وغيرهم ـ
وللحديث صِلات
وفي (الحدائق ) ( للأردبيلي ) عن سنان عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ألا أبشرك ؟. قال : بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير. فقال صلى الله عليه وآله : أخبرني جبرئيل بالعجب ، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: وما الذي أخبرك به يا رسول الله ؟. قال صلى الله عليه وآله : الرجل من أمتي إذا صلى علي واتبع الصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة ثم تحات عنه الذنوب كما يحات الورق من الشجر ويقول الله جل وعلا لبيك وسعديك ، يا عبادي وملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة فإذا صلى عليَّ ولم يتبع الصلاة على أهل بيتي صلوات الله عليهم فلا يزال محجوبا حتى يلحق بها أهل بيتي صلوات الله وسلامه عليهم .
إن الأبحاث في هذا المجال طويلة وعريضة وذا جوانب متعددة لا يمكن نكرانها إلا ممن أعمى الله بصيرته ، وهي لا تحتاج إلى أدلة وبراهين كثيرة إنما ترشد إليها الفطرة السليمة والعقيدة الصحيحة الحقة وما تفاعل القلوب الخالية من كل مرض وزيغ إلا دليل إتباعها إرشادات رسول الله صلى الله عليه وآله وابتغاء مرضات الله وشفاعة رسوله صلى الله عليه وآله إذ يقول أبو عبيد مولى ابن عباس : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( أما والله لا يحب أهل بيتي عبد إلا أعطاه الله نورا حتى يرد علي الحوض ولا يبغض أهل بيتي عبد إلا احتجب الله عنه يوم القيامة) ـ شواهد التنزيل ج2 .
شاهد ودلالة :
وقد أورد الشهيد الثاني في كتابه ( منية المريد ) ص346 ما نصه
وكلما كُتِب اسم الله تعالى أتبعه بالتعظيم ، مثل : تعالى ، أو سبحانه ، أو عز وجل ، أو تقديس ونحو ذلك ، ويتلفظ بذلك أيضا ، وكلما كتب اسم النبي صلى الله عليه وآله كتب بعده الصلاة عليه وآله ، ويصلى ويسلم هو بلسانه أيضا .
ولا يختصر الصلاة في الكتاب ، ولا يسأم من تكرارها ولو وقعت في السطر مرارا كما يفعل بعض المحرومين المتخلفين من كتابة ( صلعم ) أو ( صلم ) أو ( صلسم ) أو ( صله ) فإن ذلك كله خلاف الأولى والمنصوص ، بل قال بعض العلماء . ـ والكلام لا زال للشهيد الثاني ـ إن أول من كتب ( صلعم ) قطعت يده …
وفي ( منازل الآخرة والمطالب الفاخرة ) ذكر الشيخ عباس القمي وفي ص83 قائلا :
تأمل جيدا في حال الإمام الصادق صلوات الله عليه وتعظيمه وإجلاله لرسول الله صلى الله عليه وآله كيف يتغير حاله عند نقله الحديث عنه صلى الله عليه وآله وذكره اسمه الشريف صلى الله عليه وآله مع أنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وقطعة من بدنه ، فتعلم ذلك واذكر اسم الرسول صلى الله عليه وآله بغاية التجليل والإحترام وصل عليه بعد ذكر اسمه الشريف في مكان فاكتب الصلوات بشكلها الحروفي ولا تكتفي بالرمز والإشارة فتكون كبعض المحرومين من الرحمة الذين يكتفون برمز(ص ) أو ( صلعم ) ونحو ذلك . بل لا تذكر اسمه المبارك صلى الله عليه وآله ولا تكتبه إذا لم تكن على وضوء وطهارة ، ومع ذلك كله أطلب العذر منه صلى الله عليه وآله لأنك قصرت بأداء حقه صلى الله عليه وآله.
. انتهى كلام الشيخ القمي رفع الله مقامه .
هذا الأمر ينسحب ايضا على من يرمز لأي من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم حين ذكرهم بـ (ع )
الأسوة الحسنة
قال كثير من أهل اللغة : الصلاة هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال صليت عليه أي دعوت له وزكيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليُجِب ، وإن كان صائما فليصلِّ ) أي فليدعُ لأهل الطعام .
وحقيقة الصلاة أو الدعاء ما كان مقارنا بالعمل ، فلا يصح للذي يطلب رفع شأن ومنزلة النبي صلى الله عليه وآله وأعماله تخالف ما جاء به من عند الله عز وجل من أوامر ونواهٍ ، فالمصلي الحقيقي هو الذي يقتدي بالنبي صلى الله عليه وآله وبأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم بقدر ما يتمكن .
قال الله تعالى( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ـ التغابن /16
وقال عز وجل (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) ـ الأحزاب / 21
فيجب أن يوافق اللسانَ جميعُ أعضاء البدن لينطبق عليه الحديث الشريف ( المصلي يناجي ربه ) وإذا كان العمل لا يوافق اللسان فسوف يكون ممقوتا عند الله سبحانه وتعالى .
قال عز وجل 0 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)) ـ سورة الصف / 3
ومعنى الصلاة عليه من الله عز وجل هو الانعطاف عليه بالرحمة المطلقة ، وصلاة الملائكة انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار والصلاة من المؤمنين الدعاء له بالرحمة .
وقيل أن معنى صلاة الله على رسوله صلى الله عليه وآله هو دوام تسديده بعصمة فائقة ، وإتمام لنوره ، وهي تكفيه لما فيها من مقامات الخير السامية واللا متناهية ، فلا يحتاج بعد هذا إلى صلاة الملائكة وإلى صلواتنا ، فالملائكة تصلي لترفع من مقامها ، ونحن نصلي غفرانا لذنوبنا واستجابة لدعوتنا بشفاعة النبي المختار صلى الله عليه وآله .
قصص يُلمس من خلالها الأثر
وقد ورد في كتاب (القلب المنير في الصلاة على النبي وآله الطاهرين ) لمؤلفه الشيخ علي الإبراهيمي ما يتناسب مع هذه الآراء المباركة إذ قد أورد الكاتب أحاديث عديدة وكثيرة ومتنوعة مستنبطة من مصادر معتبرة موثوقة مختلفة يعتمدها كل الأطراف في أحيان كثيرة حيث هي أنها لا تنحصر على فئة أو طائفة معينة وبتعبير آخر من الموالفين والمخالفين
إذ يقول بعد الحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله :جمعت ما يقارب خمسين قصة واقعية لأشخاص لمسوا آثار وبركات هذا الذكر العظيم ، أسأل الله عز وجل أن يكون نافعا وهاديا إلى التمسك بالحق والصواب وإلى الإيمان بالله ورسوله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم ، لأجل الوصول إلى الحوائج وإزالة العقبات والمصائب التي يعاني منها إنسان اليوم .
وقال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ـ آل عمران/ 132 قال عز وجل (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) ـ سورة المائدة / 55
ويسترسل الكتاب في حديثه حول أثر الصلاة على النبي وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم وما يترتب بها وعليها ويبدا بتدوين بعض الآراء والروايات والقصص ومنها :
سأل أبو المغيرة أبا الحسن صلوات الله عليه: ما معنى صلاة الله وملائكته وصلاة المؤمنين؟. قال صلوات الله عليه : ( صلاة الله رحمةٌ من الله ، وصلاة ملائكته تزكيةٌ منهم له ، وصلاة المؤمنين دعاءٌ منهم له ) أي للنبي صلى الله عليه وآله .
وصلاة المؤمنين يُشتق منها معنى آخر وهو الثناء وتجديد العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله لقول الإمام الصادق صلوات الله عليه في بيانه للآية الشريفة : ( صلوا عليه وسلموا تسليما ) اثنوا عليه وسلموا له ولقوله صلوات الله عليه وآله أيضا : ومن صلى على النبي فمعناه : أني على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله : ( ألستُ بِربِكم قالوا بلى ) ـ الأعراف / 172
وفي بيانه للآية الشريفة ( صلوا عليه ) قال الشيخ علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : صلوات الله عليه تزكيةٌ له وثناء عليه وصلاة الملائكة مدحهم له ، وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله
عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من خطبة له قال: بالشهادتين تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على محمد وآل محمد .
وقال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ( إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي في دار الدنيا صلاة ، إنه قد كان في الله وملائكته كفاية ولكن خصَّ المؤمنين بذلك عليه ليُثيبهم عليه ) .
والواجب من الصلاة عليه هو في تشهد الصلاة ، ويليه على أشراف الواجب كلما ذكر وسائر الصلاة عليه سنة مؤكدة .
وأما معنى التسليم في قوله عز وجل ( وسلموا تسليما ) الآية المباركة لم تقل وسلموا عليه ولا سلموا له ، كلاهما مهمان والثاني أهم ، والسلام عليه واجب والتسليم لآمره قولا وعملا أوجب ،
الآية الشريفة تشمل كلا المعنيين ، ولم تقتصر على معنى دون الآخر ، فلو كان كذلك لقالت الآية ( صلوا وسلموا عليه تسليما ) أو لقالت ( صلوا وسلموا له تسليما ) ولكنها اطلقت فشملت المعنيين .
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله ( صلوا عليه ) والباطن قوله : ( وسلموا تسليما ) أي: سلموا لمن أوصاه واستخلفه ، وفضله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما . قال: وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطُف حسُه ، وصفا ذهنه وصح تمييزه .
وملامح أخرى ذات علاقة
ومن القصص والروايات اللطيفة التي يوردها الكاتب يقول فيها :
في أحد الأيام كان النبي صلى الله عليه وآله جالسا مع الإمام أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وسط بستان كثير الزرع والأشجار ، أقبلت نحوهما نحلة وأخذت تدور فوق راسهما كثيرا ، التفت النبي صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال: أتدري يا علي ماذا تقول هذه النحلة ؟.
قال الإمام علي صلوات الله عليه : لا يا رسول الله . قال صلى الله عليه وآله : إن هذه النحلة قد استضافتنا اليوم ، قالت لي : وضعت لكم مقدارا من العسل في محل كذا ، فأرسل أخاك أمير المؤمنين عليا صلوات الله عليه إلى ذلك المحل ليأتي به ، فقام امير المؤمنين صلوات الله عليه وجلب العسل ، النبي صلى الله عليه وآله خاطب النحلة قائلا : أيتها النحلة إن طعامك من أزهار الورود وهو مر ، فكيف يتحول إلى عسل حلو؟. قالت النحلة : يا رسول الله إن حلاوة العسل جاء من بركة ذكر اسمك المبارك واسم أهل بيتك الطاهرين صلوات الله عليكم عندما نمتص رحيق الأزهار يُلهم إلينا أن نصلي عليك وعلى أهل بيتك المعصومين صلوات الله عليكم ثلاث مرات ، فلما نكمل ذكر الصلوات يصبح عسلنا حلوا .
وقصة أخرى ينقلها لنا الكاتب أدرجها تحت عنوان كتابة الصلوات يقول فيها : كتب أحد المؤلفين كتابا حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ينقل هذا الرجل الذي كان من الزهاد والعباد ،كلما كنت أكتب حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله أو أصل إلى اسمه الشريف ، لا أهتم بكتابة الصلوات أمام اسمه الطاهر ، لهذا السبب في أحد الليالي ، رأيت النبي صلى الله عليه وآله في عالم الرؤيا غضبانا مني ، قال لي : لماذا لا تصلي عليَّ عندما تكتب اسمي على الورق ؟. قمت من نومي وأنا متألم ، قلت في نفسي : سوف لا أسيء الأدب مرة أخرى ، منذ ذلك الوقت وإلى الآن كلما أردت كتابة اسم النبي صلى الله عليه وآله ، أبعث الصلوات أولا ثم أكتب ذلك بشكل كامل وجميل ، وبعد مدة من الزمن رأيت الرسول صلى الله عليه وآله ثانية في الرؤيا ولكن بوجه باسم ، قال لي صلى الله عليه وآله: إن الصلوات التي بعثتها وكتبتها قد وصلتني . فحمدت الله عز وجل على هذه النعمة الكبرى .
وبعد هذا كله أقول: ألا يتحتم علينا أن نتوقف بعض الشيء ونتأمل عندما ننطق ونتلفظ أو نكتب اسم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أو أسماء المعصومين صلوات الله عليه وأن نستحيي منهم ولو بشيء من الحياء .
التعليقات (1)
حقيقة الصلاة على النبي واله هو انها اصل كل شي خلقه الله وبقاء الموجودات ودوامها في لا خلاف بين الدنيا والآخرة فهي اساس وجود الدرين وما فيهما