RSS
2025-12-26 17:07:16

ابحث في الموقع

الضوضاء ترهق الأحياء السكنية في العراق

الضوضاء ترهق الأحياء السكنية في العراق
تشهد العديد من المدن العراقية، منذ سنوات، تصاعداً ملحوظاً فيما بات يوصف محلياً بمشكلة الضجيج، حيث أصبحت الضوضاء والأصوات المرتفعة عبر المكبرات جزءاً من مشهد يومي يثقل حياة السكان، ويحد من شعورهم بالراحة داخل منازلهم. ومع غياب الضوابط القانونية وضعف الرقابة، اتسعت هذه الظاهرة لتشمل أنشطة فردية وجماعية تتذرع بعناوين "الحريات الشخصية"، رغم تأثيرها المباشر في الحريات العامة وحقوق الآخرين في الهدوء والسكينة.

في أحياء بغداد والبصرة والموصل ومدن أخرى، بات من الشائع سماع أصوات الأغاني الصاخبة حتى ساعات الصباح الأولى، خاصة الصادرة من المقاهي أو ما يعرف محلياً بـ"الكوفيهات"، التي تزايد عددها داخل الأزقة والمناطق السكنية من دون أي مراعاة للبيئة المجتمعية. هذه الفضاءات، التي تحولت إلى أماكن مفتوحة للحفلات والرقص والأغاني ذات الإيقاع المرتفع، تسمع أصداؤها من شوارع بعيدة، مسببة إزعاجاً يومياً للأهالي.

لكن الأمر لم يقف عند حدود المقاهي، فظاهرة بث الأغاني أو الأناشيد الشعبية عبر مكبرات صوت قوية داخل سيارات الشباب و"الدراجات النارية" وعربات "التوك تك" أصبحت منافساً رئيسياً للمقاهي في مستوى الضجيج. فهي تجوب الأحياء بأصوات تشق السكون وأوقات الراحة، خصوصاً في ساعات الليل، حيث يزداد الانزعاج ويضعف احتمال تجاهل تلك الأصوات. ويرافق ذلك استخدام مفرط لمنبهات السيارات (الهورن)، من دون مراعاة لوجود أحياء سكنية أو كبار سن أو مرضى.

ضغط متزايد على الحياة اليومية في العراق

يقول علي جابر، وهو موظف حكومي من منطقة شارع فلسطين في بغداد: "لم نعد نستطيع الجلوس داخل منازلنا بهدوء. كل ليلة تبدأ الحفلات في المقاهي، وتبدأ السيارات بالتجوال بأغان صاخبة، حتى الأطفال يعانون، ولا أحد يسمع شكوانا"، مؤكداً: "لا نجد وقتاً مناسباً للراحة، حتى إننا ننام بالليل بشكل متقطع بسبب تلك الأصوات". فيما تشير أم حسين من محافظة البصرة إلى أن "الأصوات تصلنا حتى وقت السحر"، مؤكدة، أنه "في بعض الليالي لا نستطيع النوم، هناك فوضى صوتية حقيقية من الكوفيهات والسيارات والدراجات وغيرها". 

في المقابل، يرى مختصون بالشأن المجتمعي أن جزءاً كبيراً من المشكلة يعود إلى "غياب الوعي الثقافي لدى شريحة واسعة من الشباب، الذين يربطون هذه السلوكيات بنمط حياة عصري أو بتحقيق حضور اجتماعي"، بحسب حسن عبد الله، أكاديمي مختص بعلم الاجتماع.

ويضيف عبد الله، أن "هناك خلط كبير بين الحرية الشخصية وإزعاج المجتمع، الحرية تنتهي عند الإضرار بالآخرين، وما يجري هو تجاوز صريح على حياة الناس وحقوقهم الأساسية بالراحة"، مؤكداً أن من أسباب تفاقم الظاهرة غياب التشريعات الواضحة، فالقوانين العراقية الحالية لا توفر آليات تطبيق صارمة للحد من الضجيج داخل الأحياء السكنية، وضعف دور الأجهزة الأمنية، وعدم وجود ضوابط تمنع انتشار المقاهي داخل الأحياء السكنية".

ويرى عبد الله، أن "التأثير الثقافي والإعلامي الساذج أثر في نشر هذه الثقافة، حيث تقدم بعض المحتويات الفنية على أنها جزء من أسلوب حياة شبابية، ما شجّع فئات واسعة على تبنيها دون وعي بعواقبها".

ما الآثار النفسية والصحية للضجيج؟

ويحذر متخصصون من أن التعرّض المستمر للضوضاء قد يسبب مشكلات صحية تتراوح بين التوتر والأرق وارتفاع ضغط الدم واضطرابات التركيز، ويشير معد العبيدي، اختصاصي الصحة العامة، إلى أن "الضوضاء واحدة من أهم العوامل البيئية الضارة، وتسبب إجهاداً نفسياً كبيراً"، مؤكداً أن "كثيراً من المرضى الذين نراهم في العيادات يشكون من قلة النوم وصداع مستمر متكرر، وغالباً يكون ذلك مرتبطاً بالضجيج الليلي". كما تؤدي هذه الظاهرة إلى انخفاض مستوى الترابط الاجتماعي، إذ يشعر السكان بأن حقوقهم مهملة، وبأن البيئة العامة غير صالحة للحياة الهادئة أو لتربية الأطفال في ظروف مستقرة.

وخلال الأشهر الماضية، تزايدت الدعوات الشعبية لوضع ضوابط صارمة تمنع استخدام مكبر الصوت داخل الأحياء، وتعيد تنظيم عمل المقاهي، وتلزم أصحاب السيارات والدراجات باحترام القانون. وطالب مواطنون في بغداد والبصرة وغيرها بإطلاق حملات توعية تستهدف الشباب، وتعمل على احترام الحيز العام والبيئة السكنية. 

من جانب آخر، يؤكد مسؤول في وزارة الداخلية العراقية، أن الوزارة "تتلقى شكاوى متكررة، لكنها تعمل ضمن إجراءات معينة"، مشيراً إلى أن "هناك خطة لإطلاق حملة توعية وأخرى رقابية ستطبق خلال الفترة المقبلة".

يجري ذلك وسط دعوات بوضع حلول تكون أكثر شمولاً، عبر تشريعات واضحة تحدد مستويات الضجيج المسموح بها، وتفرض غرامات على المخالفين، وتشجع البلديات والجهات المسؤولة على منع إقامة مشاريع ترفيهية داخل الأحياء السكنية دون ضوابط، فضلاً عن أهمية تعزيز الثقافة العامة في المدارس والجامعات والإعلام، لإيصال رسالة مفادها أن الحرية لا تعني الإضرار بالمجتمع.



المصدر: العربي الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!