وأضاف أن "المشهد الأول يشير لاستمرار النهج التوسعي فــي الإنفاق العام"، وذلك "بافتراض استقرار سعر برميل النفط عند 70 دولاراً وهو ما يظل مرهوناً بتوازنات سوقية وسياسية دولية غير مستقرة مما يجعل هذا السيناريو محفوفاً بالمخاطر". وأوضح أن المشهد الثاني القائم على سعر 60 دولاراً للبرميل، يمثل خياراً أكثر تحفظاً وواقعية وينسجم مــع سياسات الضبط المالي وتعزيز الاستدامة. وشدد صالح على أهمية تنويع مصادر الإيرادات وتفعيل القطاعات غير النفطية بوصفها الركيزة الأساسية لتقليص فجوة العجز وضمان التوازن المالي طويل الأمد مــع الحفاظ علــى السقف الافتراضي للعجز البالغ قرابــة 64 تريليون دينــار (نحو 49 مليار دولار) للمشهدين لأغــراض التحوط.
وقال صالح، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن"العراق باع نفطه حتى نهاية الربع الأول من العام 2025 بمعدل 75 دولاراً للبرميل، وهو أعلى من السعر المحدد في قانون الموازنة العامة للعام الحالي البالغ 70 دولاراً". والعراق، هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بمتوسط إنتاج يبلغ 4.6 ملايين برميل يومياً في الظروف الطبيعية بعيداً عن اتفاقيات خفض الإنتاج.
ويعتمد العراق بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل الموازنة. ويشكل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير ونحو 90% من إيرادات الدولة، بحسب بيانات رسمية. ويجعل الاعتماد الكبير على النفط العراق عرضة لتقلبات أسعار الخام العالمية. ورفع العراق منذ أواخر الشهر الماضي، سقف عمليات تصدير النفط الخام إلى مستوى 3.65 ملايين برميل يومياً. ويعمل حالياً على رفع الطاقة التصديرية للنفط الخام إلى خمسة ملايين و250 ألف برميل يومياً من خلال تنفيذ سلسلة مشاريع جنوبي البلاد في إطار خطط العراق التنموية الوطنية للأعوام من 2024 - 2028.
وبلغت العقود الآجلة للنفط العالمية أدنى مستوى لها في خمسة أشهر قرب 60 دولاراً للبرميل متراجعاً بنحو 18% منذ بداية العام، ويستعد كبار المتداولين لمزيد من الانخفاض، بما في ذلك مجموعة غونفور وفيتول، حيث تتوقع ترافيغورا أن يصل سعر النفط الخام إلى 50 دولاراً للبرميل العام المقبل. لكنها تتوقع أيضاً أن يتعافى السوق إلى منتصف 60 دولاراً للبرميل في غضون 12 شهراً تقريباً.
تأخر جداول موازنة العراق 2025
وأكد صالح في تصريح لوكالة الأنباء العراقية، واع، أن "وزارة المالية الاتحادية ماضية في إعداد مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للبلاد للسنة المالية 2026"، لافتاً إلى أنه "في حال تعذر إقرارها بالتوقيتات الدستورية أو التشريعية المحددة بسبب دورة الحياة النيابية القريبة، فتتولى الحكومة الصرف في العام 2026 على أساس شهري بنسبة 1/ 12 من المصروفات الفعلية الجارية للعام 2025 بما في ذلك الإنفاق على المشاريع الاستثمارية المستمرة والالتزامات الخارجية وغيرها من النفقات الواجبة الدفع".
وتأخرت جداول موازنة عام 2025، وسط تحذيرات برلمانية واقتصادية من أن التأخير بات يُصيب السوق العراقية بالشلل ويعرقل وصول المستحقات المالية للمؤسسات والقطاع الخاص. بعد أكثر من عامين على إقرار الموازنة الثلاثية للأعوام 2023 – 2024 – 2025 في 12 يونيو/حزيران 2023، والتي عُدّت الأولى من نوعها في تاريخ العراق الحديث.
وبلغت القيمة الإجمالية للموازنة الثلاثية لأعوام 2023 و2024 و2025 نحو 198 تريليون دينار عراقي للعام 2023، بعجزٍ مقدّر بحوالي 64 تريليون دينار، مع اعتماد سعرٍ للنفط عند 70 دولاراً للبرميل وصادراتٍ يومية بنحو 3.5 ملايين برميل، على أن تُحدَّث الجداول سنوياً وفق المتغيرات الاقتصادية وأسعار النفط العالمية. وبقي العراق بلا موازنة اتحادية في عامي 2014 و2020 نتيجة للظروف السياسية والأمنية، ما اضطره آنذاك إلى اعتماد نظام "الصرف بنسبة 1/12" لتغطية النفقات الشهرية.
من جانبه، أكد عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، جمال كوجر، أن تأخير إرسال جداول الموازنة الى البرلمان يمثّل أحد أبرز أسباب الارتباك المالي الذي تشهده البلاد، مشدداً على أن تقديم الجداول في وقتها يُعد خطوة أساسية لتمكين البرلمان من ممارسة دوره الرقابي ومتابعة تفاصيل الإنفاق العام، وضمان شفافية التعامل مع المال العام. وأوضح كوجر لـ"العربي الجديد"، أن الالتزام بالمواعيد الدستورية المحددة لإرسال الموازنة في أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام هو أمر حيوي للحفاظ على الانضباط المالي وضمان استقرار الدورة الاقتصادية.
وأضاف، أن تأخير عرض جداول الموازنة يؤدي إلى تعطّل الخطط الاستثمارية والخدمية، ويؤثر بشكل مباشر في المشاريع المرتبطة بحياة المواطنين، خصوصاً في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، فضلاً عن تأثيره السلبي في حركة السوق والقطاع الخاص الذي يعتمد على وضوح التخصيصات الحكومية. وأشار كوجر، إلى أن استمرار العمل من دون موازنة واضحة يدفع الحكومة إلى زيادة اعتمادها على الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية نفقاتها، وهو ما يؤدي تدريجياً إلى تراكم الديون ويزيد الضغط على الاقتصاد الوطني.
خلل هيكلي
في السياق، قال الباحث الاقتصادي أحمد صباح، إنّ تأخر استكمال جداول الموازنة يكشف عن خلل هيكلي في إدارة السياسة المالية، ويعكس ضعف التنسيق بين المؤسسات المعنية بالتخطيط والإنفاق، مبيناً أن هذا الاضطراب لا يُقاس فقط بمدى تأخر الصرف، بل بتأثيره التراكمي في ثقة السوق وقرارات الاستثمار. وأضاف صباح، لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد العراقي يمر بمرحلة حساسة تتطلب وضوحاً في الرؤية المالية، إذ إن غياب التخطيط الدوري والالتزام الزمني يعطل عجلة النمو ويُربك أولويات الإنفاق العام، وتكرار التأخير في إعداد الموازنات أو جداولها يجعل الاقتصاد رهينة القرارات الآنية بدل السياسات المستدامة.
وأشار، إلى أن المشكلات السياسية والمصالح المختلفة بين الأطراف الفاعلة في البرلمان والحكومة تلعب دوراً رئيسياً في تعطيل إرسال الجداول، خاصة أن البلاد تمر بمرحلة دعايات انتخابية قد يُستغل فيها ملف الموازنة لتحقيق أهداف سياسية أو تعزيز نفوذ بعض الأطراف على حساب الاستقرار الاقتصادي. وأكد صباح، أن الإصلاح المالي الحقيقي يبدأ من ضبط المواعيد والتقيد بالقانون.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!