ابحث في الموقع

عندما يصعب الاختيار.. لنا في كلمات القرآن الناطق تأمُّلات

عندما يصعب الاختيار.. لنا في كلمات القرآن الناطق تأمُّلات
عندما يصعب الاختيار.. لنا في كلمات القرآن الناطق تأمُّلات
بقلم: علي الراضي الخفاجي

تتلخص رؤية الإمام علي عليه السلام في اختيار الأصلح للإدارة والحكم أن يكون كفؤاً وورعاً وخبيراً، وأن يتحلى بالحكمة، وأن يكون رفيقاً بالناس عادلاً بينهم، وليس على اعتبارات أخرى كالمنسوبية والمحسوبية، وأن يخضع للرقابة الذاتية قبل الخارجية، وإن انحرف أو زاغ فإنَّ العامة ستكون له بالمرصاد، والعقوبة والعزل بالانتظار، واستخلصها عليه السلام بكلمة تعدُّ بحالها درساً وضابطة أساسية في تقييم الإنسان عندما قال: (قيمةُ كلُّ امرئٍ مايُحْسنُ)، ذلك لأنه القرآن الناطق، وترجمان قول الله تعالى: ((إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم)).  

قد تكون مسألة اختيار الإنسان للأصلح من أهمِّ المسائل المعقدة في زمن تعدُّد القراءات للأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وتزاحم الأجوبة لحلِّ مشكلاتها ومعالجة ظواهرها مايجعل الإنسان على مفترق طرق يبحث فيها عن سُلَّمٍ للعبور إلى المسار الصحيح والاختيار الأصوب لمن يدافع عن حقوقه ويعمل على توفير وسائل العيش الكريم له، ولكن واقع الحال المتناقض والمضطرب لايجعل الإنسان في انتظار ملائكة يأخذون بيده، إنما حنكة التجارب تجعله أكثر واقعية وحكمة لاختيار الأصلح من بين الصالحين، ومن يظنُّ به خيراً من بين الخيِّرين.

فقه الموازنات وحلوله النسبية

وهذا مايجعلنا نميل إلى أجوبة فقه الموازنات أو فقه الأولويات -كما سمَّاه البعض- الذي يعمل بقواعد ومعايير ترجِّحُ المصالح على المفاسد في حال التعارض، وتخرج بنتائج حكيمة تُبدِّدُ الصمت وتوقف الحيرة بحلول نسبية تأخذ امتدادها الزمني لفترة لتحقنَ بها الدماء وتصانُ الكرامات، وهي كغيرها تتعرض - فيما بعد-  إلى سنة التغيير أو سنة الغفلة، وغيرها من السنن التأريخية التي كانتْ ومازالتْ حاكمة على الأمم والجماعات والرسالات.

وحديثنا عن موضوع اختيار الأصلح لايتناول قضية الشورى والبيعة في جانبيها الأصولي والتأريخي، وماطرأ عليها من انحراف عن المسار الصحيح، حينما خلطت الأوراق وتمَّ التآمر على مصير الأمة، أو يُشرعنُ الفكرة الضالة التي رسَّخوها في عقلية العامة أنَّ السلطان ظل الله في الأرض، وأنه لايجوز نقده أو الخروج عليه، إنما يتناول واقعاً حياتياً، خيارنا وإرادتنا فيه عبارة عن موقف وتحدٍّ ومحاولة لممارسة حق وأداء واجب مااستطعنا إليه سبيلاً.

نسبية العدالة مسألة واقعية

لذا كانت العدالة في واقع الحياة مسألة نسبية، فما يزال الناس يختلفون في آرائهم في مفهوم العدل ومعرفة صفات العادل، فإنَّ تحقيق العدالة المطلقة لاتكون إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأنَّ عدله تكوينيٌّ وتشريعيٌّ وأبديٌّ، أما على المستوى البشري فإنَّ العدل نسبيٌّ، فهو بالمفهوم العام تصور إنساني يهتمُّ بتحقيق التوازن بين أفراد المجتمع في مسألة الحقوق والواجبات، وفي خلق حياة متوازنة قدر الإمكان.

نعم في حدود هذا الإمكان منح الله تعالى العدل للمعصومين عليهم السلام بتفوق وامتياز، فكانت عدالتهم تساوي العصمة المطلقة في أعلى درجاتها؛ ليعصمهم من الزلل، ويمنحهم القوة ضد التحديات التي تقف في طريقهم لإعلاء كلمته وتجسيد مفاهيم الرحمة والعدالة بشكل عملي؛ ليكون المعصوم أنموذجاً للآخرين بأنَّ تحقيق العدالة ليس مستحيلاً لو استقام الإنسان وأخذ بتطبيق رسالات السماء.

وصف العدل في كلمات الإمام علي عليه السلام

ووفق معطيات هذه النظرة النسبية للعدالة يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:(العدلُ أفضلُ السياستين والجورُ أحد المدمِّرين)، بعد أنْ ألْمعَ بومضاته ليصف العدل بقوله:(العدلُ جنَّةُ الدُّول)و(العدلُ أصلُ صلاحِ الرَّعيَّة)و(إنَّ العدل ميزانُ الله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق).غرر الحكم، ص/64، وقال: (عدلُ السلطان حياةُ الرعيَّة وصلاحُ البريَّة). ميزان الحكمة، 4: 109.

وهذه الجواهر والغرر فيض من بحر لايحيط بسواحله إلا الله جلَّتْ آلاؤه، ذلك هو القرآن العظيم، فكلماته عليه السلام جاءتْ ترجمة واقعية للآيات الكريمة في هذا الموضوع، ومنها في قوله تعالى: ((إنَّ الذين آمنواْ وعملواْ الصَّالحات أؤلئك هُمْ خيرُ البريَّة)).البينة/7، فإنَّ(خير)اسم تفضيل أصله(أخْيَرْ) على وزن(أَفْعَلْ)حُذفتْ همزته لكثرة الاستخدام مثل(أَحْسَنْ)و(أَفْضَلْ).

ولايخفى إنَّ اجتماع القوة والأمانة والورع في الناس قليل، وتتفاوت هذه الصفات فيما بينهم كتفاوت الشجاعة والكفاءة، وكذلك العدالة.

ماالفرق بين الاختيار والانتخاب؟ 

ولعلَّ القارئ يسأل عن الفرق بين الانتخاب والاختيار، فإنَّ الفرق ليس كبيراً، فبعضهم عدَّهُ واحداً كالزمخشري، قال: (الانتخاب: الاختيار).أساس البلاغة، 2: 257، وابن الأثير: (المنتخبون من الناس: المنتقون، والانتخاب: الاختيار والانتقاء). النهاية في غريب الأثر، ص/13،  وجاء في تاج العروس للزبيدي: (الخيار: الاسم من الاختيار، وهو طلب خير الأمرين). 6: 379.

وإنْ كان الاختيار أعمُّ من الانتخاب، فهو فرعٌ منه إذا صحَّتْ النسبة، وأكثر مايستعمل في عالم السياسة والتمثيل الشعبي، والإنسان حُرٌّ فيمنْ يختار، على أن تكون ممارسة هذه الحرية عن وعيٍ وشعورٍ بالمسؤولية؛ لأنَّ من أهمِّ أركان الانتخاب الاختيار الحر دون مصادرة الإرادة، أو شراء الذمم، لأنَّ هكذا حال يؤدي إلى تعطيل السنن والقوانين، والتلاعب بمصائر الناس، وتفاقم الأزمات التي يصعب معالجتها على مر السنين، خصوصاً إذا تمَّ الاقتداء بذوي السفاهة والمصالح الشخصية والابتعاد عن ذوي الحكمة والبصيرة. 


المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!