هذا الارتفاع اللافت في حجم الديون المحلية يعكس عمق الأزمة الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، نتيجة تراكم السياسات المالية غير المستقرة، وتزايد النفقات التشغيلية على حساب الإنفاق الاستثماري، فضلًا عن الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي لتمويل الموازنة العامة.
وقال عضو لجنة الاقتصاد والتنمية في البرلمان العراقي ياسر الحسيني، إنّه "يجب الحذر من خطورة استمرار ارتفاع الدين الداخلي للعراق، فهذا المستوى من المديونية يمثل مؤشرًا خطيرًا على تزايد الاختلالات في السياسة المالية وارتفاع الضغوط على الاقتصاد الوطني".
وبيّن الحسيني أنّ "الاعتماد المفرط على الاقتراض المحلي لتغطية العجز المالي في الموازنة العامة يعكس هشاشة النظام المالي، ويؤدي إلى سحب السيولة من القطاع المصرفي وتقليص فرص تمويل المشاريع الإنتاجية، ما يضعف النشاط الاقتصادي ويزيد معدلات البطالة".
وأضاف أنّ "ارتفاع الدين الداخلي بهذا الشكل يفاقم من عبء خدمة الدين، ويقلل من قدرة الحكومة على توجيه الموارد نحو الاستثمار والبنية التحتية، كما يهدد الاستقرار النقدي في حال استمرار الاعتماد على أدوات الدين القصيرة الأجل".
وشدد على أنّ "العراق بحاجة إلى إصلاحات مالية حقيقية تشمل ترشيد الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الإيرادات بعيدًا عن النفط، وتفعيل القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة، فالاقتراض يجب أن يكون موجهًا نحو المشاريع التنموية التي تخلق قيمة مضافة وتنعكس إيجابًا على الاقتصاد، لا لتغطية الرواتب والنفقات التشغيلية".
وقال إنّ "استمرار ارتفاع الدين الداخلي دون خطط واضحة للسداد أو لتقليص العجز قد يضع الاقتصاد العراقي في مسار غير مستدام، ويهدد بتآكل احتياطي الدولة النقدي، ويؤثر على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالبيئة الاقتصادية".
من جهته، قال الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي ناصر الكناني، إنّ "ارتفاع الدين الداخلي للعراق إلى أكثر من 91 تريليون دينار يمثل جرس إنذار خطيرًا قد يهدد استقرار الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة، فالبلاد تقترب من مرحلة لا يمكن فيها إدارة الدين دون كلفة اقتصادية واجتماعية باهظة".
وأكد الكناني أنّ "هذا المستوى من الدين الداخلي غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث، ويكشف عن اعتماد مفرط على الاقتراض المحلي لسد العجز المالي بدلًا من إصلاح هيكل الموازنة، واستمرار هذه السياسة سيؤدي إلى انكماش السيولة في الأسواق، وارتفاع التضخم، وتراجع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية".
تراجع تمويل المشاريع الإنتاجية
وبيّن أنّ "الاقتراض الداخلي بات يشكل عبئًا خانقًا على النظام المصرفي، إذ يجري تمويله من خلال السحب من احتياطات البنوك الحكومية والمصارف الخاصة، ما يقلل من فرص تمويل المشاريع الإنتاجية ويضعف النمو الحقيقي في القطاعات غير النفطية، خاصة وأنّ العراق يعيش اليوم حالة اختلال مالي خطير، إذ تذهب معظم الإيرادات إلى النفقات التشغيلية، بينما يتم تمويل المشاريع الاستثمارية عبر الديون، وهذا توجه مقلق لا يمكن استمراره من دون تداعيات جسيمة".
وأضاف أنّ "الاستمرار في هذه الوتيرة من الاقتراض الداخلي سيقود إلى تضخم الدين العام وتآكل الثقة بالسياسة المالية، وربما إلى أزمة ثقة في العملة الوطنية إذا لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لإصلاح منظومة الإنفاق والإيرادات، والعراق يواجه اليوم لحظة حاسمة، وإذا لم تبادر السلطات المالية إلى وقف التوسع في الاقتراض وإعادة هيكلة الدين الداخلي، فإنّ السنوات القليلة المقبلة قد تشهد أزمة مالية حقيقية تهدد الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، وربما تمتد آثارها إلى الأمن الاجتماعي".
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!