ابحث في الموقع

قانون النفط المعلّق يعمق أزمات الاقتصاد العراقي

قانون النفط المعلّق يعمق أزمات الاقتصاد العراقي
قانون النفط المعلّق يعمق أزمات الاقتصاد العراقي
مع قرب انتهاء فترة ولاية البرلمان العراقي، حيث تستعد البلاد لإجراء الانتخابات التشريعية في الحادي عشر من الشهر المقبل، يعود قانون النفط والغاز إلى الواجهة مجدداً بوصفه أحد أبرز التشريعات الاقتصادية المؤجلة التي ما تزال عالقة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، في ظل خلافات سياسية عميقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والمحافظات المنتجة.

ويعد هذا القانون الإطار التشريعي الأهم لتنظيم إدارة الثروة النفطية في العراق، إذ يتصل مباشرة بإدارة أكثر من 145 مليار برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد، أي ما يعادل قرابة 9% من الاحتياطي العالمي، وبإنتاج يومي يتجاوز 4.2 ملايين برميل يشكل أكثر من 92% من الإيرادات العامة للدولة.

ويحذر متخصصون من أن استمرار تعطيل القانون في هذه المرحلة سيعمق الأزمات المالية والإدارية، ويضعف قدرة الدولة على صياغة سياسة نفطية موحدة وجاذبة للاستثمار، بعد أن أدى غياب التشريع إلى تراجع ثقة الشركات الأجنبية وتزايد النزاعات حول الصلاحيات والعقود. وفي وقت يعتمد فيه الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل على النفط بنسبة تفوق 90% من الإيرادات العامة، ولا تتجاوز مساهمة القطاعات غير النفطية 10% من الناتج المحلي الإجمالي، يبقى إقرار القانون شرطاً حاسماً لأي تحول اقتصادي نحو تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة.

دعوة رئاسية إلى تسريع التشريعات العالقة

وفي خضم الجدل المستمر حول التشريعات الاقتصادية المؤجلة، دعت رئاسة جمهورية العراق الأسبوع الماضي مجلس النواب إلى الإسراع في إقرار مجموعة من القوانين ذات الأثر المباشر على استقرار الدولة وتنميتها، وفي مقدمتها قانون النفط والغاز الاتحادي، الذي وصفته بـ"التشريع الاستراتيجي لإدارة الثروة الوطنية".

وأكدت الرئاسة، في بيان رسمي، أن استكمال القوانين الأساسية يسهم في تحقيق العدالة والاستقرار الوطني، مشددة على ضرورة تجاوز الخلافات السياسية واعتماد الحوار لحسم الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف النفط والغاز، بوصفه الأساس لتنظيم العلاقة بين المركز والإقليم والمحافظات المنتجة، وضمان توزيع منصف للعائدات النفطية.

وتأتي هذه الدعوة في وقت يحذر فيه خبراء اقتصاد من أن استمرار تعطيل القانون يفاقم الهدر في إدارة الموارد النفطية، ويبقي البلاد من دون سياسة طاقوية متكاملة، الأمر الذي يحد من قدرة الدولة على جذب الاستثمارات وتطوير البنى التحتية لقطاع الطاقة، ويؤخر أي مسار جاد نحو تنمية اقتصادية مستقرة ومستدامة.

تحذيرات من هدر الموارد وتعثر الاستثمارات

أكد الخبير في مجال الطاقة محمد هورامي أن استمرار غياب قانون النفط والغاز الاتحادي حتى اليوم، ومع اقتراب انتهاء عمر الدورة التشريعية الحالية، يمثل إخفاقاً اقتصادياً وتشريعياً خطيراً ترك انعكاساته المباشرة على إدارة الثروة النفطية والموازنة العامة وجاذبية الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة.

وأوضح هورامي، أن تأجيل إقراره خلال هذه الدورة البرلمانية يعني إرجاء الحسم إلى دورة جديدة، وما يرافق ذلك من دخول البلاد في مرحلة جديدة من الخلافات والتجاذبات السياسية حول الصلاحيات وتقاسم الإيرادات، ما يجعل أي تعطيل إضافي مكلفاً للاقتصاد الوطني.

وأضاف أن غياب القانون أوجد حالة من الفوضى الإدارية والمالية في إدارة الموارد النفطية بين المركز والإقليم والمحافظات المنتجة، وأفقد العراق القدرة على رسم سياسة إنتاج واستثمار موحدة، الأمر الذي انعكس سلباً على ثقة الشركات الأجنبية التي تترقب تشريعات مستقرة تضمن استدامة أعمالها واستقرار بيئة الاستثمار.

وأشار إلى أن العراق في حاجة إلى استثمارات سنوية تتجاوز 15 مليار دولار لتطوير قطاع النفط والطاقة وتحسين طاقات التكرير والتصدير، إلا أن غياب الإطار القانوني المنظم للعقود والتوزيع المالي يجعل بيئة الاستثمار محفوفة بالمخاطر ويحد من دخول الشركات الكبرى إلى السوق العراقية.

وشدد هورامي على أن الفرصة المتاحة أمام البرلمان الحالي تكاد تنفد، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لتبني القانون قبل نهاية الدورة، لأن استمرار التعطيل يعني تأجيل أيّ تحول حقيقي نحو اقتصاد إنتاجي متنوع وتنمية مستدامة قائمة على إدارة رشيدة للموارد.

تسوية اقتصادية وسياسية

من جانبه، أكد عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي باسم نغيمش، أن استمرار تعطيل قانون النفط والغاز الاتحادي يشكل أحد أبرز العوامل التي تبقي الاقتصاد العراقي في دائرة الريع وتقيد قدرته على تحقيق تنمية متوازنة.

وأوضح نغيمش، أن غياب القانون يعني غياب الإطار المنظم لإدارة الثروة الوطنية، ما يربك عملية التخطيط المالي، ويؤدي إلى تفاوت كبير في توزيع العائدات بين المركز والمحافظات المنتجة، ويحد من قدرة الدولة على اعتماد سياسة مالية مستقرة.

وأشار إلى أن الخلافات السياسية حول الصلاحيات وآليات تقاسم الإيرادات تعرقل تنفيذ مشاريع حيوية في قطاع النفط والطاقة، وتخلق بيئة غير مستقرة للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن تشريعات واضحة تضمن استمرارية عملهم واستقرار استثماراتهم.

وأضاف نغيمش أن تأخير تشريع القانون يحرم العراق من فرص استثمارية تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، ويضعف قدرة الدولة على تحويل عائدات النفط إلى مشاريع إنتاجية وتنموية في المحافظات، مشيراً إلى أن القانون يجب ألا يقتصر على توزيع الإيرادات، بل أن يتضمن آليات واضحة للحوكمة المالية، وإدارة مستقلة للحقول المشتركة، وإنشاء صندوق وطني لتنمية المحافظات المنتجة، بما يضمن استثمار العائدات في مشاريع مستدامة بدل الإنفاق التشغيلي.

وختم نغيمش بالقول إن المرحلة المقبلة تتطلب تسوية سياسية واقتصادية شاملة تحيد ملف النفط عن التجاذبات، وتركّز على مصلحة الدولة العليا، عبر صياغة قانون موحد يوازن بين صلاحيات المركز وحقوق الأقاليم، ويحول الثروة النفطية من مصدر خلاف إلى رافعة للتنمية والاستقرار المالي.


المصدر: العربي الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!